أحد الأثرياء معروف لدى أهل مدينته، يعاقر الخمر و يشتهي النساء، و مع ذلك فهو يعامل الناس معاملة طيبة حتى قالوا عنه: انه رجل عنده ضمير .
عجبا.. حتى الشيوعي و العلماني و الوثني و اللاديني كلهم يدعون أنهم عندهم ضمير، و يقول قائل هناك ضمير مهني و ضمير الجماعة و ضمير الامة ! أي ضمير هذا الذي يتنكر لتوحيد الله و مكارم الاخلاق و المثل العليا؟ كلمة ضمير أصلها من أضمر، و تدل معاني أضمر في اللغة على الخفاء، و يطلق الضمير على السر و الخاطر، و يقال أضمرت الارض الرجل أي غيبته بسفر أو موت ( القاموس المحيط/ مادة: ضمير ).
حين يخاطب القرآن النفوس و ما في ذات الصدور، تأتي آياته متوجهة الى القلب باعتباره جوهر يحيى أو يموت، يعقل أو يجهل، يسمع أو يصم، يبصر أو يعمى. القلب - هذه اللطيفة الربانية الروحانية – هو مستودع الايمان بالله سبحانه و تعالى، لا يطمئن و لا يسكن الا بعبادته و الانابة اليه. يقول الله عز و جل: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } (الحج 22: 46)
و قد حذر الله عز و علا من قسوة القلوب لمن ابتعد عن ذكر الله في قوله: { أفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } (الزمر 39:22). و ما أكثر أمراض القلوب كالبخل و الحسد و الظلم، و مرض الشبهات و الشكوك، و مرض الشهوات و غيرها.
فحري بالمؤمن أن يتعاهد قلبه بتجديد الايمان، و ان ابتلي بمرض من أمراض القلوب جاهد نفسه و جد في طلب الدواء. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم". و يقول الترمذي: "حياة القلوب الايمان، و موتها الكفر، و صحتها الطاعة، و مرضها الاصرار على المعصية، و يقظتها الذكر، و نومها الغفلة".
و هذا دواء رائع وصفه شيخ الاسلام ابن تيمية حين قال: "و القرآن شفاء لما في الصدور و من في قلبه أمراض الشبهات و الشهوات، ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل، فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم و التصور و الادراك بحيث يرى الاشياء على ما هي عليه، و فيه من الحكمة و الموعظة الحسنة بالترغيب و الترهيب و القصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب، يرغب فيما ينفعه، و يرغب عما يضره، فيبقى القلب محبا للرشاد، مبغضا للغي، بعد أن كان مريدا للبغي، مبغضا للرشاد، فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة، حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها ، كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي ، ويغتذي القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن بما يُنَمّيه ويقومه ، فإن زكاة القلب مثل نماء البدن " (مجموع الفتاوي:95/ 10-96 ). و الشاهد على كلام شيخ الاسلام قول الله عز و علا: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } (الإسراء 17: 82).
فالقرآن كلام الله ، هو طب القلوب و دواءها.. نقرأه، نتدبره و نرتله لتبقى قلوبنا حية. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه و سلم: { مثل الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر ربه، مثل الحي و الميت } رواه مسلم و البخاري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق